هل سلبت جماعة الناظور ووكالة مارشيكا ذاكرة شارع محمد الخامس؟

هبة بريس – محمد زريوح

يعد شارع محمد الخامس في الناظور واحدًا من أبرز شوارع المدينة وأهم معالمها التي ارتبطت بتاريخها وحضارتها.

هذا الشارع الذي يُعتبر القلب النابض للمدينة، يمثل جزءًا كبيرًا من هوية الناظوريين وتاريخهم، حيث كان دائمًا فضاءً للحياة الاجتماعية والثقافية. إلا أن هذا الشارع شهد تغييرات ملحوظة على مر السنين، مما أثار تساؤلات عديدة حول سبب فقدانه جزءًا من سحره وملامحه التي كانت تُميّزه في الماضي.

تعود بداية تاريخ شارع محمد الخامس إلى فترة الاستعمار الإسباني في الأربعينيات من القرن الماضي، حيث كان هذا الشارع نقطة انطلاق لتأسيس المدينة.

وخلال تلك الحقبة، أُعطِيَ هذا الشارع طابعًا مميزًا يعكس ثقافة وتقاليد سكان الناظور، بالإضافة إلى أن تصميمه كان يتناسب مع احتياجات المجتمع المحلي، بما في ذلك المساحات الخضراء والأشجار التي كانت تزين جوانب الشارع وتُضيف له رونقًا وجمالًا. كانت هذه الأشجار، التي كانت تمتد على طول الشارع، تُعتبر واحدة من العلامات التي جعلت هذا الشارع مميزًا، وتُقدم الظلال للمارّة في أيام الصيف الحارة.

كما كان شارع محمد الخامس، بمقاهيه الشعبية ومرافقه التجارية، يعد ملاذًا لأهالي المدينة وزوارها. كان هذا الشارع يشهد حركة دائبة، حيث كان الناس يتجمعون في المقاهي لتناول “الأتاي” المنعنع، أو لمتابعة المباريات الرياضية في جو من الحماسة والتشويق. علاوة على ذلك، كان هذا الشارع شاهدًا على بعض الأنشطة الثقافية والفنية التي كانت تعكس اهتمام السكان بالتراث والفن المحلي.

بعد سنوات من الازدهار والارتباط العميق بتاريخ الناظور، بدأت تظهر بعض التغييرات على شارع محمد الخامس مع مطلع الألفية، وخاصة بعد الإصلاحات الكبرى التي بدأت في عهد العامل الأسبق عبد الوافي لفتيت. تهدف هذه الإصلاحات إلى تجديد الشارع وتحسين مظهره، لكن ما حدث من تغييرات لم يكن بمستوى تطلعات سكان المدينة الذين اعتبروا أن هذه التحولات قد أساءت إلى هوية الشارع الأصلية.

من أبرز هذه التغييرات كانت إزالة الأشجار الأصلية التي كانت تُضفي على الشارع طابعًا فريدًا وجماليًا، واستبدالها بأشجار النخيل التي لا تضيف أي لمسة جمالية تُذكر. هذا التغيير كان بمثابة محاولة لتحديث الشارع بشكل يتماشى مع العصر، لكن العديد من المواطنين اعتبروا أن النخيل لا يتناسب مع طبيعة المكان، وأنه لا يُضفي الجمال الذي كان يمتاز به الشارع في الماضي. هذا القرار، الذي قد يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، كان له تأثير عميق على مظهر الشارع وأصبح يشكل رمزًا لتجاهل أهمية الحفاظ على التراث البيئي للمدينة.

رغم الأموال الطائلة التي تم صرفها على أعمال الإصلاح والتجديد في الشارع، إلا أن الكثير من المواطنين اعتبروا هذه الإصلاحات بمثابة “جريمة” في حق تراث المدينة. فقد تسببت هذه التغييرات في طمس معالم ثقافية ومعمارية هامة كانت تُعبّر عن تاريخ المدينة، مثل المباني القديمة التي كانت تُجسد مرحلة الاستعمار الإسباني، والتي كان من المفترض الحفاظ عليها كمواقع تراثية. على سبيل المثال، تم إزالة تمثال جيش التحرير الذي كان يخلّد نضال المدينة ضد الاستعمار، ليُحول إلى جوار ضريح “سيدي علي”، مما أثار موجة من الانتقادات من قبل السكان الذين اعتبروا أن هذه الخطوة لا تُحترم الذاكرة الجماعية للمدينة.

الانتقادات الموجهة إلى الإصلاحات لم تكن محصورة فقط في مسألة الأشجار أو التماثيل، بل امتدت لتشمل غياب أي إضافة رمزية تساهم في تعزيز الطابع الثقافي للشارع. كان من المنتظر أن تشهد هذه الإصلاحات إضافة لرموز ثقافية أو معمارية تُذكر بتراث المدينة، مثل إضافة نوافير أو تماثيل رمزية تعكس تاريخ الناظور. لكن يبدو أن المشاريع كانت تركز أكثر على الشكل الخارجي للشارع دون أن تأخذ في الاعتبار العوامل الثقافية والتاريخية التي تُميز المكان.

مع مرور الوقت، بدأ العديد من أبناء المدينة يشعرون أن شارع محمد الخامس قد فقد جزءًا كبيرًا من سحره ورونقه. هذا الشارع الذي كان في السابق مكانًا يعكس روح المدينة وأصالتها، أصبح اليوم يعاني من فراغ ثقافي واجتماعي. الأشجار التي كانت تزين الشارع اختفت، والمقاهي التقليدية التي كانت تحتفظ بجو من الألفة والحميمية تراجعت لصالح المقاهي الحديثة التي تفتقد للطابع المحلي. هذا التحول جعل الشارع يبدو أقل حيوية، وفقد جزءًا من جاذبيته التي كانت تجذب الناس للجلوس فيه والاستمتاع بأجوائه الخاصة.

شعور سكان الناظور بالاستياء ليس فقط بسبب التغييرات في المظهر، بل أيضًا لأن الشارع الذي كان يربطهم بتاريخهم وثقافتهم أصبح يبدو بعيدًا عن هويتهم. في كل زاوية، كان هناك شيء يشير إلى الماضي، إلى تاريخهم المشترك وذاكرتهم الجمعية، لكن هذا كله بدأ يتلاشى تدريجيًا، مما جعل العديد منهم يشعرون وكأنهم يعيشون في مكان لا يعبر عنهم ولا عن ثقافتهم.

في هذا السياق، لا يمكن إغفال دور جماعة الناظور ووكالة مارشيكا في هذه التغييرات. رغم أن هاتين الهيئتين كانتا مكلفتين بتطوير المدينة وتحسين مظهرها، إلا أن هذا التطوير جاء على حساب تراث المدينة وهويتها. كان من المفترض أن تولي هذه الهيئات اهتمامًا أكبر للحفاظ على الطابع الثقافي والتاريخي لشارع محمد الخامس، لكن ما حدث كان يفتقر إلى التنسيق بين تطوير الشارع والحفاظ على رموزه.

جماعة الناظور ووكالة مارشيكا، اللتان كان من الواجب عليهما أن تساهمتا في الحفاظ على هذا الشارع كموقع ثقافي وتاريخي، لم تُظهرَا الوعي الكافي بأهمية التراث المحلي. فقد كانت الإصلاحات التي أجريت على الشارع تركز في الغالب على التحديث المظهري، وتجاهلت تمامًا الحفاظ على المعالم التي كانت تميز الشارع، مما أثر سلبًا على الذاكرة الجماعية للمدينة وأدى إلى فقدان جزء من هويتها.

إعادة الحياة لشارع محمد الخامس تتطلب اتباع نهج أكثر شمولية يعيد إليه توازنه بين الحداثة والتراث. على جماعة الناظور ووكالة مارشيكا أن تعيد النظر في كيفية تطوير هذا الشارع بما يعكس هوية المدينة. من الضروري أن يتم التركيز على مشاريع تتضمن الحفاظ على المعالم الثقافية والرمزية التي كانت تميز الشارع. يمكن إعادة التماثيل الرمزية، إضافة نوافير ثقافية، وزيادة المساحات الخضراء التي تعكس جمال المدينة وتاريخها.

كما يجب أن يتم إشراك المجتمع المحلي في هذه المشاريع لضمان أن التغييرات التي ستُجرى ستكون متوافقة مع تطلعاتهم وتعبّر عن هويتهم الثقافية.

شارع محمد الخامس هو أكثر من مجرد شارع في الناظور؛ هو ذاكرة المدينة وروحها. وفي الوقت الذي تشهد فيه المدينة تطورًا عمرانيًا كبيرًا، من المهم أن يتم الحفاظ على هذه الذاكرة والتراث، وأن يكون هذا التطور مُتكاملًا مع المحافظة على معالم الشارع الثقافية. مع الاهتمام الكافي من جماعة الناظور ووكالة مارشيكا، يمكن لشارع محمد الخامس أن يعود ليكون مكانًا يعكس تاريخ الناظور، ويستعيد مكانته كمركز اجتماعي وثقافي في قلب المدينة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى