مفارقة في أرض كتامة.. سائح يُمزق جسده وآخر يُطهر قلبه

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في أعالي جبال الريف، حيث تختبئ منطقة كتامة خلف ستار الضباب والدخان، هناك حيث تلتف الأشجار على أسرار لا تُقال، حدثت مفارقة لا تخطر على بال، في قرية هادئة تُعرف بزراعة نبتة ” الكيف ” التي تُثير الجدل وتُغري الرحّالة، شهدت في يوم واحد حدثين متناقضين؛ أحدهما يصرخ من أعماق الجسد، والآخر يهمس بنور الروح.

– الفصل الأول: الألم

كان رجل ألماني الجنسية، في منتصف عقده الرابع، قد وصل إلى كتامة منذ أيام قليلة، لا أحد يعرف ما الذي جاء به إلى هذا المكان، هل هي رغبة في التأمل، أم فضول تجاه ما تشتهر به هذه الرقعة الأرضية ؟ كل ما عُرف عنه أنه جاء وحيدًا، يقيم في غرفة بسيطة بإحدى البيوت الجبلية التي يؤجرها السكان للغرباء.

في صبيحة ذلك اليوم، وُجد الرجل ينزف بشدة، فاقدًا للوعي داخل غرفته، حين تم نقله إلى المستوصف المحلي، كانت الصدمة، لقد أقدم الرجل على بتر عضوه التناسلي، مستخدمًا أداة حادة بشكل بدائي ومرعب.

“تصرف غير متزن… الرجل يعاني من اضطراب نفسي واضح”، هكذا قال أحد الممرضين.
نُقل الألماني إلى المستشفى الإقليمي، فيما بقيت الواقعة محط تساؤلات بين الأهالي، الذين تعودوا رؤية الزوار، لكن لم يعهدوا مشاهد كتلك.

– الفصل الثاني: الهداية

وفي نفس اليوم، وعلى بعد خطوات من تلك الجبال الصامتة، داخل مسجد صغير بُني بالحجر والطين، جلس شاب فرنسي في الثلاثينات من عمره، يتلو الشهادتين بصوت خافت، وعينين دامعتين، اسمه لوران، مهندس سابق، جال العالم بحثًا عن شيء لا يعرف اسمه.

قال لفقيه المسجد: “جئت إلى كتامة بدافع الفضول، فوجدت سكينة لم أشعر بها في حياتي، لا المخدرات أغرتني، ولا الضباب أرعبني… بل شيء ما في هذا الصمت، في هذه الجبال، أيقظ داخلي صوتًا ظلّ صامتًا لسنوات.”.

أسلم لوران عن قناعة، وغيّر اسمه إلى “نور الدين”، واختار أن يقيم لبعض الوقت في القرية، يساعد الفقيه في أعمال المسجد ويقرأ عن الدين الذي اختاره بملء إرادته.

– مفارقة كتامية

في ذات اليوم، وبين الأزقة الحجرية، همس الناس: “ألماني فقد جزء من جسده، وفرنسي وجد روحه.”

أين تبدأ المأساة، وأين تنتهي الرحلة؟ لا أحد يعرف، فقط جبال كتامة، كعادتها، تنظر بصمت، وكأنها تفهم أكثر مما تقول.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى