
فبركة الوقائع من أجل الشهرة.. ظاهرة مقلقة في الوسط الفني
هبة بريس -إ.السملالي
في زمن أصبحت فيه الشهرة عملة صعبة، ولم يعد النجاح مرهوناً فقط بالموهبة ولا مقترناً بالإبداع الخالص، برزت لدى بعض الفنانين نزعة جديدة يمكن تسميتها بـ”صناعة الحدث”، ولو على حساب الصدق. لم يعد مستغربًا أن نرى فنانًا يعلن تعرضه لحادث سير خطير، تنقله الأخبار العاجلة، وتنهال عليه التعليقات المتعاطفة، ثم لا يلبث أن يظهر بعد يومين فقط، بابتسامة عريضة، يرقص في كليب جديد وكأن شيئًا لم يكن! أو نتابع آخر “يدعي الزواج”، ليتبيّن لاحقًا أنه مجرد مشهد تمثيلي صُوّر بعناية لأغراض ترويجية لا أكثر.
هذه الحيل، وإن نجحت لحظيًا في إثارة الضجة وخطف الأضواء، إلا أنها تُسهم على المدى البعيد في زعزعة الثقة بين الفنان وجمهوره، وتزرع الشك في كل إطلالة جديدة، وتجعل من الصعب التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مجرد “استعراض تسويقي”.
قد يرى البعض في هذه الفبركات نوعًا من الذكاء التسويقي الذي يفرضه عصر السرعة والتنافسية الشرسة. غير أن ثمة فرقًا شاسعًا بين التسويق النزيه والخداع المتعمد. بناء الشهرة على أساس هش من الكذب يشبه بناء منزل على رمال متحركة: قد يبدو شامخًا للحظة، لكنه سرعان ما ينهار حين تهب أول ريح من الشكوك أو تنكشف أول كذبة. فالمتابع اليوم ليس ساذجًا، وهو وإن انخدع مرة، لن يسامح بسهولة في المرات التالية.
الفنان الحقيقي لا يحتاج إلى ادعاء المآسي أو تزييف الوقائع ليجذب الأنظار إليه. يكفيه صدق تجربته، ونقاء فنه، وعمق رسالته. أما من يشعر بفراغ في أدواته الفنية، ويخشى أن يمر دون أن يُرى، فيلجأ إلى “الكذب المدروس” ليمنح نفسه حضورًا مزيفًا، ويُقنع الجمهور بأن هناك شيئًا يستحق المتابعة، بينما لا يوجد في الواقع سوى فراغ مغلف بالصخب.
وهنا يُطرح السؤال الجوهري الذي يؤطر كل هذا النقاش: هل الكذب في المجال الفني سلاح الأقوياء أم ملاذ الضعفاء؟
الجواب يبدو بديهيًا: الفنان القوي، الواثق من موهبته ومكانته، لا يساوم على صدقه، ولا يجد نفسه مضطرًا لارتداء أقنعة إضافية خارج المسرح أو الكاميرا. أما من لا يملك إلا قشورًا من الفن، ولا يستطيع أن يثبت نفسه بما يقدمه من مضمون، فيجد في الكذب وسيلة يسد بها ذلك الفراغ، ويُوهم الناس بوجود “حدث” يصرف أنظارهم عن غياب القيمة.
إن الكذب في الفن ليس مجرد خطأ عابر، بل هو اختزال لقيمة الفن نفسه إلى لعبة وهمية. وهو بذلك لا يكون أداة قوة، بل تعبيرًا عن عجزٍ مستتر، يُخفيه صاحبه وراء ضجيجٍ مصطنع لا يلبث أن ينكشف.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X