صناديق فارغة.. عندما يعجز الاستفتاء عن إنقاذ وطنٍ من الاختناق الديموغرافي بإيطاليا

هبة بريس: عبد اللطيف الباز

مع إغلاق صناديق الاقتراع ظهر الاثنين، سادت حالة من الصمت في المشهد السياسي الإيطالي، لكنها لم تكن راحة بعد إنجاز، بل خيبة بعد محاولة لم تكتمل. لم يبلغ الاستفتاء العتبة القانونية ليُصبح نافذًا، فتلاشى في الهواء كحلم لم يولد. ومعه، تلاشت واحدة من أجرأ المحاولات لإعادة تعريف المواطنة في إيطاليا.

لكن لماذا فشل الاستفتاء؟ ولماذا لم يُقبِل الناس على التصويت رغم أن قضاياه تمسّ صميم مستقبلهم؟

الإجابة تتقاطع فيها عوامل سياسية واجتماعية ونفسية. فمن جهة، لم تُطلق الحكومة — ولا حتى القوى المؤيدة للمقترحات — حملات إعلامية قوية تعبّئ الناخبين. ومن جهة أخرى، هناك نوع من اللامبالاة السياسية التي باتت تميّز قطاعات واسعة من الشعب الإيطالي، خاصة في قضايا تُقدّم على أنها “قانونية تقنية” وليست وجودية.

غير أن ما يزيد الوضع تعقيدًا، هو أن الفشل في تمرير هذه التعديلات يترك الباب مفتوحًا لصراع سياسي محتدم، لا سيما من جانب المعارضة من يسار الوسط، التي كانت تعوّل على هذا الاستفتاء كفرصة لكسر هيمنة اليمين على النقاش العام، ولإبراز الوجه الإنساني والتقدمي للمجتمع الإيطالي. وإذا كانت ميلوني قد تجاهلت الاستفتاء إعلاميًا، فإنها ستُحمَّل سياسيًا تبعات فشله، على الأقل من قبل خصومها.

أما في الجانب الاجتماعي، فإن الرسالة التي خرجت من هذا التصويت ـ أو بالأحرى من غيابه ـ هي أن المجتمع الإيطالي لا يزال منقسمًا حول مسألة الانتماء والمواطنة. هل الجنسية مسألة دم؟ أم إقامة؟ هل “إيطاليا” هي من يعيش ويعمل ويدفع الضرائب فيها؟ أم هي تلك الذاكرة التاريخية والثقافية التي لا يحق لكل أحد الاقتراب منها؟

إنها أسئلة لا تزال مفتوحة، لا تحسمها صناديق اقتراع ضعيفة، بل تحتاج إلى نقاش وطني عميق وجريء، يضع على الطاولة كل الحقائق: أن الاقتصاد في خطر، أن المدن تفرغ من سكانها، أن المدارس تُغلق بسبب نقص الأطفال، وأن إيطاليا، بكل جمالها، لا يمكنها أن تعيش على الذكريات وحدها.

ربما فشل هذا الاستفتاء، لكن السؤال الذي طرحه لا يمكن دفنه:
من سيكون إيطاليًّا غدًا؟ وهل تكفي الجدران القديمة وحدها لحماية وطنٍ لا يجد من يسكنه؟



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى