
القطاع الصحي في المغرب بين تراجع الموارد البشرية وتزايد الاحتجاجات
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
يعيش القطاع الصحي في المغرب على وقع أزمة هيكلية معقدة، تتجلى في نقص حاد في الموارد البشرية المتخصصة، إلى جانب تزايد الاحتجاجات من قبل المواطنين والعاملين في القطاع، التي باتت تشكل انعكاساً حقيقياً لمدى سوء الوضع في المستشفيات والمراكز الصحية عبر المملكة.
وخلال الأسبوع الجاري ، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات، حيث كان آخرها ما شهدته مدينتا أكادير والصويرة، حيث خرج المواطنون في مظاهرات أمام المستشفيات الجهوية والإقليمية، مطالبين بتحسين الخدمات الصحية، في ظل نقص الأطر الطبية وتردي ظروف العمل.
– أزمة القطاع الصحي: تباين بين الحاجة والموارد
يعتبر قطاع الصحة في المغرب من بين القطاعات التي تعاني من اختلالات بنيوية عميقة، من جهة، هناك حاجة ملحة للمزيد من الأطباء والممرضين والمتخصصين في العديد من التخصصات الحيوية، لكن من جهة أخرى، يواجه المغرب تحديات حقيقية في تزويد المستشفيات والمراكز الصحية بالكفاءات اللازمة، في الوقت الذي تسجل فيه المستشفيات الجهوية والإقليمية اكتظاظًا غير مسبوق، يتابع آلاف الخريجين من الممرضين وتقنيي الصحة مصيرًا مجهولًا، في ظل بطالة مزمنة وقلة فرص التوظيف.
وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تسعى إلى معالجة هذا الخصاص، وتعمل على رفع عدد مهنيي الصحة من 17,4 لكل 10,000 نسمة في 2022 إلى 45 في عام 2030، تماشياً مع معايير منظمة الصحة العالمية، كما تمت زيادة المقاعد الدراسية للمهن الطبية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ولكن هذا التحسن لا يتوازى مع احتياجات النظام الصحي على أرض الواقع .
– الاحتجاجات أمام المستشفيات: جرس إنذار للمسؤولين
خلال السنوات القليلة الماضية ، تزايدت الاحتجاجات بشكل ملحوظ في العديد من المدن المغربية للمطالبة بتحسين ظروف العمل وتوفير المعدات الطبية اللازمة، كان آخرها الأسبوع الجاري بمدينتي اكادير والصويرة، حيث طالب المحتجون بإمدادات دوائية أكثر كفاءة وتحسين ظروف الاستقبال والعلاج.
وتأتي هذه الاحتجاجات في وقت حرج بالنسبة للقطاع الصحي، الذي يعاني من نقص الأطر الصحية في العديد من التخصصات الطبية الأساسية،وتُضاف إلى هذه المشاكل بنية تحتية ضعيفة وتوزيع غير عادل للموارد بين المدن الكبرى والمناطق النائية، مما يزيد من تعميق الهوة بين القطاع الصحي في المناطق الحضرية والريفية.
– البطالة وسط الحاجة الملحة: تناقض صارخ
رغم زيادة أعداد الخريجين من الممرضين وتقنيي الصحة، يعاني هذا القطاع من بطالة مقلقة، حيث يتخرج سنويًا الآلاف من الشباب المؤهلين في هذا المجال، إلا أن العديد منهم يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل بسبب نقص المناصب المالية المخصصة لهم، هذه الظاهرة تعكس خللاً في تخطيط وتوزيع الموارد البشرية الصحية.
وبحسب تصريحات لنقابيين في قطاع الصحة، فإن “التخطيط العشوائي وسوء توزيع المناصب يساهمان في تعزيز البطالة، ويضعان الخريجين أمام مصير غامض”وبالرغم من وجود حاجة ماسة لجميع التخصصات الطبية، خاصة في المناطق النائية، إلا أن الاختلالات الهيكلية تؤدي إلى تكدس الموظفين في مناطق معينة مع خصاص حاد في أخرى.
– غياب التنسيق الفعال بين الجهات المعنية
من أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي في المغرب هو غياب التنسيق الفعال بين وزارة الصحة والمراكز الاستشفائية الجامعية، حيت يتم تنظيم مباريات التوظيف بشكل منفصل بين الجهات المعنية، مما يؤدي إلى تكدس المترشحين في مدن معينة وخصاص في مدن أخرى، هذا التوزيع العشوائي للموارد يساهم في هدر الأموال والموارد البشرية، ويزيد من تأزيم الوضع، ويرى مهنيون
، أن هذه الإشكالية لا تقتصر فقط على نقص المناصب، بل تشمل أيضًا غياب التنسيق بين المؤسسات الصحية المختلفة، مما يعرقل توزيع الأطباء والممرضين بشكل عادل بين مختلف المناطق.
– أسباب الاحتجاجات:
تتجسد معاناة المواطنين في قصص يومية من الانتظار الطويل في المستشفيات، ونقص الأدوية، وتردي جودة الرعاية الصحية في العديد من الأماكن، وبحسب التقارير، فإن المستشفيات التي تفتقر إلى التجهيزات الطبية الأساسية تواجه تحديات كبيرة في تقديم خدمات طبية لائقة للمواطنين، مما يضطرهم إلى اللجوء إلى الاحتجاجات كوسيلة للضغط على الحكومة لتحسين الظروف.
إن احتجاح المواطنين أمام المستشفيات في مدينتي أكادير والصويرة، ومطالبتهم بتحسين الخدمات الصحية، لا يعد سوى جزء من صورة أكبر للواقع الصحي في المغرب. هذه الاحتجاجات تمثل استجابة طبيعية لحالة الإحباط التي يشعر بها المواطنون بسبب تدهور الخدمات الصحية، الأمر الذي يدفعهم إلى المطالبة بإصلاحات جذرية في القطاع الصحي.
– الحلول المقترحة: إصلاحات جذرية لتلبية الاحتياجات
لتجاوز هذه الأزمة، فإن الحلول تتطلب استثمارًا حقيقيًا في القطاع الصحي على عدة مستويات منها الزيادة في عدد المناصب المالية لتخصيص عدد كافٍ من الاطر الصحية لتلبية احتياجات النظام الصحي بشكل فعّال، خاصة في المناطق التي تعاني من خصاص حاد.
– تحقيق التنسيق بين الوزارات والمؤسسات الصحية
من الضروري أن تتبنى وزارة الصحة والمراكز الاستشفائية الجامعية آلية واضحة لتنسيق التوظيف بين مختلف الجهات، بحيث يتم توزيع الأطباء والممرضين بشكل عادل بين جميع المناطق.
– تحسين بنية المستشفيات والمراكز الصحية:
لا بد من تجديد وتحسين البنية التحتية للمستشفيات، وتوفير المعدات الطبية اللازمة، خاصة في المدن الصغيرة والمناطق النائية،وربط التكوين الأكاديمي بحاجيات سوق العمل عبر إعادة النظر في خطط التكوين الأكاديمي لتتناسب مع التخصصات الأكثر حاجة في النظام الصحي، وتقليل الفجوة بين التكوين وسوق العمل.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X